يقظة الفكر يقظة الفكر
");

آخر الأخبار

");
random
جاري التحميل ...

إذا كان لديك أي استفسار أو تدخل أو إشكال حول الموضوع المعرض ، المرجو طرحه في التعاليق .

هل الجمال موضوعي أم ذاتي ؟




جدلية الجمال و الشعور و الأذواق و في محددات الجميل .

ترتاح النفس للجميل ينشرح له الصدر ، تعرق في الجبين يستسلم له الشر ، لكن ليس كل ما ترتاح له النفس جميلا ، و الجميل ليس جميلا إلا باعتبارات شخصية ، و الاعتبارات الشخصية هي نتيجة من اللذة تحدث من الجمال نتيجة تأثير من العقل بواسطة الحواس ، و لا أعني كل الحواس ، و إنما أعني الحواس الراقية ، السمع و البصر ، و الحواس عموما خادعة ، و بالتالي الجميل لا يكون جميلا إلا بعلة كونية موضوعية مزروعة في الأنا . نستطيع إزاءها التمييز بين الجميل و القبيح ، و هذا ما سنجيب عليه ، فهل الجمال موضوعي أم ذاتي ؟هل هنا كجمال قائم بنفسه ، أم أن الشعور بالجمال نجده من أنفسنا في الشيء ؟ أو بمعنى آخر هل الفتاة التي أنا معجب بها لأانها جميلة ، هل جمالها يتحدد عن قناعة شخصية أم يتحدد على أنها جميلة فعلا بعوامل معينة ؟
أولا : ما هو علم الجمال :
الاستاطيقا أو علم الجمال هو فرع من فروع علم النفس يبحث في الشعور الذي ينبعث عن الشيء الجميل الذي يستحق الإعجاب ، أو عكسهما ، أعني القبيح و المزدري .
✔الاتجاه الموضوعي :

يرى هذا الاتجاه أن الجمال موجود بقوته في الأشياء الجميلة و لا يتأثر بالأهواء الشخصية أو بالمزاج ، فالجمال موجد بغض النظر عن التقدير الذاتي له ، و هنا يرى الفيلسوف غوته أن للإبداع الجمالي و الفني قوانين موضوعية .
يسلك الفيلسوف الحكيم سقراط هذا المسار مشيرا الى أن الجمال يجب أن يكون هادفا ، أي أن الجميل هو ما يحقق النفع أو الفائدة أو الغاية الأخلاقية العليا ، و يقول بهذا الصدد : ما هو نافع لغرض معين فإن استعماله جميل لهذا الغرض . قد نستشف من هذا الكلام أن سقراط كان براغماتيا قليلا في فكره ، لكن هذا ليس صحيحا ، بالنظر الى تركيزه على الفضيلة و العدل و التقوى ، و بالتالي انطلقت في إعجابي بتلك الفتاة حسب سقراط من بساط أخلاقها النبيلة و جمالها يتحدد في كونها تحقق النفع لي بوسيطة فضلى , و بالتالي فهي جميلة لأنها قادتني الى الخير و ليس الى اللذة الحسية .
أما بالنسبة لتلميذه أفلاطون فيذهب الى أن الجمال و الجميل أحب الأشياء الى الإنسان ، و متى صادف الفيلسوف محاكاة لهذا الجمال أو جسما حسن التكوين على الأرض ، فإنه في تلك اللحظة تنتابه رجفة و يكسوه العرق و يملؤه شعور غامض يدفعه و يوجه بصره في اتجاه موضوع الجمال ، هنا أتحدث عن الجمال من عين الفيلسوف ، و ليس من عين الإنسان العادي ، صحيح أن كلاهما يشعران بشعور معين أثناء رؤية الجميل ، لكن الفيلسوف يشعر و يتأمل بإمعان و تبصر و فكر ، أما العادي فتستحوذ عليه غريزة ساذجة و عاطفة و إلهام يشاركه فيه الحيوان , و ما أجمل الجمال في مجيلة أفلاطون ،و ما أجمل أن يكون جمال مخيلة أفلاطون ساقطا على فضاحة واقعنا . فأفلاطون دعانا الى عدم محاكاة النساء و الى عدم محاداة المجانين من الناس ، الأول جماله في جسده ، و الثاني جماله في بلاهته .
جاء تلميذه أريسطو ليقوم ببعض التمحيص ، فالجمال عنده هو الجمال الموضوعي الذي يتناغم مع البيئة الحسية ، و منه لإيجاد توليفة للجمال الحقيقي وجب أن نسمو به عن الماديات إلى الماهيات(الجواهر) ، أو من المحسوسات الى المعقولات ، فالجميل و الرائع عند هذا الفيلسوف هو الموضوعي و المطلق ، أي أنه يرتبط بمستوى الوعي و الإدراك و الإحساس بالجمال ، و هناك درجات في هذا الوعي ، فيه الجمال الحسي الذي يلبي الحاجات الحسية و الغرائزية و الفزيولوجية ( يعجبني جسدها ، الجنس ) ، و هنا الجمال الإدراكي الذي يتصاعد و يتسامى من مستوى المخيلة الى أعلى مستوى من التجريد العقلي ( أعجبتني لأنها كيان و لأنها إنسان و لأنها روح ) ، لكن الظاهر أن الجمال الحسي هو المتحكم الأول في الإنسان في مجتمعاتنا ، فالحب فيه أبدا مجرد ، و الجمال فيه أبدا مجرد ، و الإعجاب فيه أبدا منزه .
و بعد أرسطو بخمسة قرون ولد الفيلسوف أفلوطين ، و الذي لم يكن بعيدا في فكره عن أفلاطون ، و بالنسبة لأفلوطين فعندما نصادف الجميل فإن النفس تندفع نحوه لأن طبيعته مشابهة لطبيعة أنفسنا ، فنعجب به و نحبه بدون سابق ، أما حينما تصادف النفس القبيح تنفر منه و تنكمش على نفسها لأنه مغاير لطبيعتها. يؤكد أفلوطين على مسألة الطهارة الروحية كشرط للتنور بالجمال ، و ليث أفلوطين حضر في زماننا ليرى بماذا أصبحت الوجوه تتنور ، عندما يصبح التوهم بالجمال حقيقة ، و التيقن بالجمال وهما ، فلا حقيقة لجمال الجميل أو من عدمه .
و الجمال هو الخير و من الخير يستمد العقل جماله ، و من العقل تستمد النفس جمالها ، و من النفس تستمد الأعمال جمالها ، ومن الأعمال تستمد النوايا الحسنة جمالها , و تصير النفس جميلة إذا أخدت صورتها من كماليات الله .

الاتجاه الذاتي :

من اليونان الى الألمان ، مع مؤسس الميثالية الكلاسيكية و من أعظم فلاسفة التاريخ إيمانويل كانط ، توصل هذا الفيلسوف الى أن الجميل هو ما يتم التعرف عليه دون أي مفهوم عقلي على أنه موضوع للإشباع أو الارتياح الضروري ، القائم على الذوق الفني الراقي في انتقاء الأشياء الجميلة بالفعل طبيعيا ، فالجمال الطبيعي شيء جميل ، في حين ان الجمال الفني هو تصوير جميل لشيء جميل ما . كما يتفق كانطمع سقراط في مسألة الجمال على أنه الشكل الخاص بغائية موضوع ما ، و هذه الغائية يتم إدراكها دون أي تمثيل داخلي أ خارجي لغاية معينة .و بمعنى اخر لتبسيط ما لا يمكن تبسيطه فكانط نظر الى الجميل على أنه رمز للخير ، و تعد البهجة الخاصة بالجميل بهجة خاصة بالملكات المعرفية الخاصة بالخيال و الحكم ، و بالتالي في نظرتي للجميل أقوم بتخيل جماله و أستبعد كل ميكانيزمات التحيل و الخطاب و المنطقي ، و أعجب به من الداخل و ليس لظروف خارجية قهرية . و بالتالي الحكم على الجميل بالجمال ينتمي بالضرورة الى مملكة الذات و الوجدان و الشعور . كما يضيف أن المتعة الجمالية يجب أن تكون خالية من الغرض أو الفائدة ، لأن الالسعي لا يكون الى امتلاك الجميل بل السعي للإحساس به ، يعني أن إعجابي بتلك الجميلة لا يجب أن يكون من أجل هدف إشباعي غريزي ، إنما من أجل أن أحس بها كروح منزهة عن المادة . أين لنا بهذه المثالية يا كانط ؟
للتنويه فقط ، هذا مجهود شخصي لفهم قطرة من بحر فلسفة كانط ، و من منظوري الشخصي عبر توظيف مقاربات فلسفية أخرى كالمقاربة الهيجيلية و مقاربة الفيلسوف شيلنج و القليل من سقراط . لذا لا تأخد فهمي على أساس أنه صحيح .
لننتقل الآن الى انجلترا مع الفيلسوف التجريبي دافيد هيوم الذي يعتبر أن الشعورهو التمييز بين الجمال و القبح ، كما الحدس عند بيرغسون ، و الشعور أو الوجدان هو بداته نوع من تمييز أخلاقي و جمالي ، فهو سابق و أساس لأي تعبير لاحق عن الثناء أو الإطراء أو الإعجاب ، و الوجدان هو جمال الموضوع و هو الفضيلة الموجدة في الفعل ا الإنساني . بمعنى أن الجمال و الفضيلة التي تحدث عنها سقراط بالنسبة لهيوم هما صفتان متجذران في الناس و في الأشياء التي تعزوان اليهما . و ناقش هيوم كذلك مفهوم الذوق أو الذائقة و أعتبرها قد شكلت مدار بحثه العميق و المعقد و الذي تغلغل فيه إلى الوجدانيات و الشعور .
و كانتقاد شخصي للفيلسوف دافيد هيوم ، أرى أنه وقع في تناقض مجحف جراء عرضه لإشكالية الأذواق ، فالذوق لا يرتبط بالذاتية فقط ، رغم تعدد الأذواق كحجة منطقية عند هيوم ، و لكن يرتبط بما هو موضوعي خالص و محض ، غلى سبيل المثال البعض من الناس لديهم ذوق جمال رفيع المستوى يتم صقله بشكل رائع للغاية ، في حين أن أذواق البعض الآخر أذواق مبتذلة أو متباهية و فظة و ساذجة و تافهة . فهل يمكن أن يكون الذوق متجذرا في الطبيعة الإنسانية في حين أننا نعاين تباينات في الأذواق ؟ ألسنا ننطلق من مرجع واحد هو الذات الإنسانية الموحدة في وحدتها ؟ أم أن مجتمعنا للأسف ذاق درعا و انقطعت به السبل لدرجة ابتذال الإنسان لنفسه بذوق فرض عليه قسرا من الضمير الجمعي ؟ ما مصير الإنسان مع الجمال في توحيد أفق الأذواق ؟ هل ستنبغ أذواقنا بتنمية محيطنا ؟ هل يمكننا فعلا تغيير الذوق ؟ هل نحن واعون بأذواقنا ؟ هل نحن نرى الجميل بجماله أم نراه بمادته ؟
أسئلة كثيرة و غيرها تجوب مفكرة هذا الفيلسوف الذي لم ينصفه مجتمعه فبات يلوذ بتوجيه خاطابات لفلاسفة عمالقة .


عن الكاتب

ابراهيم ماين

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

يقظة الفكر