توضيحات :
أحببت كانط عندما قال : " الإنسان غاية في ذاته " ، و لا ضير لدينا أن كل كائن يفكر بعقل و يشعر بقلب و يضفي المعاني على ما يفعل ، هو كائن إنساني ، و من هذا المنطلق نقول أن المرأة إنسان ، تنطبق عليها جميع المزايا الإنسانية السابقة الذكر ، مع اختلافات بيولوجية لم تمنح لها الفلسفة اهتماما ، و بما أنها إنسان فإنها غاية في ذاتها و يجب أن ننظر إليها على هذا النحو ، يعني أنها ليست وسيلة للإستثارة و المتعة ، ليست وسيلة لإشباع العواطف أو التجبر و التطاول ، لأنها ببساطة إنسان . هذه الفلسفة الخالصة التي تنبني على العقل بمحيد عن الفلسفات المحكومة بالظروف و الأدلجة ، و قصدي هنا شامل لكل فلسفة تحط من قيمة المرأة ، و مردنا هنا الى بزوغ نساء فلاسفة بصمن في التاريخ و شهدت على نباهتهن العقول . رغم ذلك يجب أن نعترف أن صدى الفلسفة النسائية كان محدودا لدرجة الخفوت ، إما لأسباب إرادية تتأسس على اكتساح الذكور للميدان الفلسفي أو لأسباب تعكس واقع المرأة بالفعل .
هيباتيا الفيلسوفة التي قتلها عقلها :
تجلت الفسلفة في جمال هيباتيا الفاتن ، و نقاء سيرتها العفيفة و صفوة بشرتها ، و فطنة عقلها ، و رزانة دمها ، و رجاحة فكرها ، هي أعظم فيلسوفة في التاريخ ، و أكثرهن تأثيرا ، هيباتيا التي كانت تضع مساحيق الأفكار في عقلها و تتزين بأبهى حلل المعرفة المستأصلة من سقراط و أفلاطون ، و كانت وسائل التجميل عندها تتجلى في أدوات الرياضيات و التفكير الفلسفي ، يقول عنها ويل ديورانت : " كانت مفتونة بحب الفلسفة لدرجة أنها كانت تتوقف في الشوارع وتشرح، لكل من يسألها، النقاط الصعبة في أفلاطون أو أرسطو" ،لقد منعها شغفها بالعلم والفلسفة من الزواج وكانت ترى أن الرغبات الجسدية تفتقر إلى الجمال الكائن في المعرفة، فلم يكن لديها الوقت الكافي لمتطلبات الحياة الزوجية ولا القناعة الكافية للوقوع بالحب، قيل أنها تزوجت الفيلسوف إيزودور السكندري وهو ليس صحيحًا فهي لم تتزوج وظلّت عذراء حتى موتها. استطاعت تغيير النظرة السائدة للمرأة في تلك العصور، وكان لوالدها وأسرتها دور كبير في تعزيز شعور المساواة لديها، فكانت تتلقّى العلم ذاته الذي يتلقّاه الذكور وهو أمر لم يكن شائعًا، بالإضافة للدراسة في الصفوف المكتظّة بالذكور إلى أن أصبحت مدرسة تحاضر بالصفوف التي يرتادها الذكور بالأغلب، وبالعلوم التي لطالما تفوّق فيها الرجال على النساء فأثبتت تفوقّها على الجميع. و لسوء حظها عاصرت فترة أوج العداء المسيحي للعقل ، و الذي اعتبر الفلسفة و التفكير جريمة لا تغتفر ، حيث ألب أحد أساقفة المسيحية القديس كورتيس الغوغاء على مهاجمة هيباتيا وقتلها في نهاية المطاف، ليطهر المدينة من تأثيرها الوثني النفاذ ، لكن مهلا ، هل تعرفين كمية البشاعة التي قتلت بها هذه الفيلسوفة ،لقد اتهمها المسيحيون بالوثنية و الهرطقة و التفكير و الجمال و الاستقلالية وقتلوها سلخوا جسدها وقطعوا أوصالها وحرقوها . فأصبحت هيباتيا " شهيدة الفلسفة" . تقول : احتفظ بحقك في التفكير ، لأنه حتى التفكير بشكل خاطئ أفضل من عدم التفكير على الإطلاق "
ماري وولستونكرافت و التمهيد للنسوية الحديثة :
إرث هذه الفيلسوفة منعدم تماما بين دفات الكتب و رفوف المكتبات ، لكنها حظيت بتهليل كبير في أواخر القرن الماضي قبل نهوض الحركات النسوية . على الرغم من أنها كانت نسوية ، إلا أنها تعتقد أنه يجب معاملة كل من الرجال والنساء ككائنات متماسكة ، مع تفويض اجتماعي ، تم تأسيسه على العقل. بسبب علاقاتها السيئة المختلفة وزواجها المتأخر. زوجة ويليام جودوين ، أحد الآباء المؤسسين للحركة الأناركية ، تم توثيق حياة ماري ولستونكرافت من قبل زوجها في "Memoir" ، والتي خربت سمعتها لفترة طويلة من الزمن (قامت محاولتين انتحاريتين فاشلتين) . و عاد صيتها بعد وفاتها في الستينيات ، أترث على الحائز على جائزة نوبل أمارتيا صن فيما بعد .
هارييت تايلور ميل : زوجة فيلسوف و أم فيلسوفة
كانت هارييت محظوظة بلقاء جون ستيوارت ميل أعظم فلاسفة العالم و الذي تزوجها بعد تطور علاقتهما و أنجبا فيلسوفة لطيفة تدعى هيلين تايلور ميل ، حقا هي عائلة فلسفية ، على الرغم من نشر القليل من الأعمال خلال حياتها ، إلا أن تأثيرها على عمل زوجها لا يمكن إنكاره. لقد كان زواج ستيوارت ميل و هارييت زواجا مثاليا قائما على التعاون في إنتاج المعرفة و تشارك الفلسفة و الغيرة و الاحترام و التقدير لقد كانوا ثنائيا رائعا : يقول ستيوارت ميل :«عندما يتشارك شخصان في جميع أفكارهما بشكل كامل، فلا يعود من المهم من يحمل القلم» ، و لم يسمح سوى لعدد قليل من أصدقاء مل برؤية زوجته ،تقول الفيلسوف هارييت في رسالة لزوجها الفيلسوف : «لن يهدأ لي بال حتى تسمح بامتلاك كتابنا القادم كلا اسمينا على صفحة عنوانه. وهذا ما سيكون الحال عليه في كل ما أنشر» . و كان ستيوارت ميل رمزا لتقدير المرأة و الاعتراف بدورها العظيم ، و نجم تربيتهما الفلسفية فيلسوفة جميلة اسمها هيلين
فيليبيا فوت فيلسوف الأخلاق :
عندما نتحدث عن الفلسفة الأخلاقية الخالصة في أوروبا فلا تنسى دكر كانط ، و فوت ، حيث سميت أعمالها بالأخلاقيات الفوقية ، كانت غاية فوت هي نقد التمييز الأخلاقي ( مثلا : هذا شجاع ، هذا جبان ) وما يتضمنه من اعتبار للمفاهيم الرفيعة. وبسبب المنهج المحدد الذي باشرت به دفاعها عن الخصيصة المعرفية القابلة للتقييم الحقيقي في الحكم الأخلاقي، و بذلك تكون قد انتقدت كل من الفيلسوف هيوم و ستيفنسون، وريتشارد هير. و هم يتبنون المنهج اللامعرفي الذي يقول أن المفاهيم لا تُستعمل للحكم على شيء حقيقي في جوهر الأمر المعني، بل للتعبير بالأحرى عن عاطفة أو (في حالة هير) عن حكم إلزامي ما. المهم أننا نلاحظ أن الفيلسوفة فوت قارعت أعاظم الفلاسفة و جابهت أعقد الأفكار الفلسفية على الإطلاق و خرجت بانتقادات و لازالت فلسفتها تدرس في أوروبا الى اليوم .
دي بوفوار و الاستماتة النسائية
لا يوجد اسم امرأة يرتبط بالنسوية والوجودية، ونظرة المرأة لعلاقتها بالوجود والحياة والرجل، مثل الفيلسوفة الفرنسية سيمون دي بوفوار، وهي ماركسية التوجهات والفكر، وشاركت في المقاومة الفرنسية ضد الاحتلال الألماني إبان الحرب العالمية الثانية، كما أنّها كانت شريكة حياة المفكر الفرنسي جان بول سارتر، وركزت كتاباتها على النسوية، والبراغماتية، وألفت عشرات الكتب منها "الجنس الآخر"، و"أخلاقيات الغموض".ترى بوفوار أنّ "الرجال وضعوا هالة كاذبة من الغموض حول المرأة، واستخدموا ذلك ذريعة لتصنع عدم فهم النساء عموماً"، وذهبت إلى أنّ هذه الفكرة، انطبقت على المجتمعات عموماً، بحيث أصبح الصراع داخل المجتمع، سواء كان جندرياً أو عنصرياً أو سواهما، يعتمد على هذا التصنيف المدعي لعدم الفهم، مما يسهّل قيام البعض بوضع آخرين، في سلمٍ أدنى منهم ضمن ترتيب المجتمع.
نوال السعداوي و الانعتاق الوهمي للمرأة العربية
توفيت نوال مؤخرا ، كانت أواخر البلاسم التي لن تتكرر و لن تورث ، حقا لا يجوز لنا تلقيبها بالفيلسوفة ، لأن هذا اللقب ثقيل جدا ، لكن بما أنها دعت للعقلانية و التحرر حيال دفاعها عن قضية المرأة ، فقد اكتساها ثوب الفلسفة ، كان للسعداوي مواقف جدلية عديدة أغضبت الكثيرين، منها: انتقاد الحجاب والعري على السواء، رافضة بذلك تسليع جسد المرأة، وكذلك دفاعها عن حقوق المثليين، والدعوة إلى المساواة في الميراث بين الذكر والأنثى، ما جعلها تبدو في نظر البعض؛ امرأة تصطدم بثوابت اجتماعية ودينية متأصلة. لاحظت بعد أيام من وفاتها أن بعض الشيوخ خرجوا بفتاوى عاقمة تحرم الترحم عليها باسم الله ، و إن كان هذا يدل على شيء فإنما يدل على تأثيرها الواسع .
حنا أرندت فيلسوفة السياسة :
بالرغم من أعمالها العديدة في الفلسفة السياسية، لا ترى حنة آرندت نفسها فيلسوفة، رغم أنّه لا مناص لها من ذلك كونها جاءت بعد زمنٍ طويل انقطعت فيه النساء الفلاسفة. وتعد آرندت، أهم من كتب حول الشمولية، والسلطوية، ودور الأيديولوجيا في تحويل الرجال العاديين إلى أدواتٍ وأشرار، كما إنّها قرأت تاريخ السياسة فلسفياً، ودرست كذلك العنف، وعلاقته بالسلطة، حيث رأت أنه لا يمكن إلا أن تمارس السلطة العنف كأداةٍ تضمن بقاءها، لكن ظاهرة العنف لا بد بحسب آرنت "أن تعاد إلى جذورها وتدرس بعمق بصفتها رد فعل على الخوف من النهاية، من الموت، والفناء".
الأم فيلسوفة التربية :
فذلكة القول
انطلاقا مما سبق و أمام الضآلة الرهيبة في الإنتاج الفلسفي النسوي خصوصا في العصر الراهن و بالأخص في العالم العربي نطرح سؤالا : متى سيُفسَح المجال للمرأة في عالم الفلسفة؟"، دون استخفاف، والتعامل معها كإنسان قادر على التفكير والدخول في مساحة الفلسفة، والحقيقة، أن هذا السؤال منوط بتطور الفلسفة، بالإضافة لارتباطه بقدرة المرأة على فعل تنويري حقيقي بعيدا عن الشعارات الفارغة أو التقدمية المرائية و أقصد بشكل مباشر الحركات النسوية العقيمة .
أمام كل الشخصيات اللواتي برزن في تاريخ الفلسفة و كرأي شخصي أن الفيلسوفة الوحيدة التي اعتمدت على العقل المحض الخالص و التفكير الخام هي الفيلسوفة هيباتيا ، و يمكن أن نقارنها مع ديكارت و لايبنتيز و أريسطو و اسبينزا و غيرهم ، أما الباقي فكانت مساهمتهن في تطوير النظرة الى المرأة و الدعوة الى تنزيهها و إنصافها مع الرجل و إنتزاع الحق في الحرية دون سلطة أو استعباد ، هن فيلسوفات بفعل انفكاكهن من الموروتات الإجتماعية و من الأيديولوجيات الذكورية و البطريركية .
كتابة و تحرير : ابراهيم ماين
إذا كان لديك أي استفسار أو تدخل أو إشكال حول الموضوع المعرض ، المرجو طرحه في التعاليق .