يقظة الفكر يقظة الفكر
");

آخر الأخبار

");
random
جاري التحميل ...

إذا كان لديك أي استفسار أو تدخل أو إشكال حول الموضوع المعرض ، المرجو طرحه في التعاليق .

هل طبيعة العالم روحية أم مادية ؟



       ؅ منذ فجر التاريخ البشري و بداية الأديان ، ظهر مفهوم الروح ، و مع تطور الفكر البشري برز مفهوم المادة ، فنشبت حرب بين من يعتقد بأن الروح هو المحرك للطبيعة و من يرى أن المادة هي المكون الأساس و الملموس لها .

✔الاتجاه الروحي:

لقد تبلور مفهوم الروح بشكل جلي في الثقافة الهندية القديمة ، و بالضبط مع البراهمانيين ، لكن لن نناقش هنا اعتقادات ديانة ، و لكن سنأخد بالسياق الفلسفي و الذي يرتبط بالفيلسوف العظيم غوتاما بوذا حيث دعا الأخير الى تهذيب الذات و تحرير الروح من الأهواء و الهموم و السمو بها الى حالة النيرفانا ، و ربما من هنا استصاغ أفلاطون أحد أرقى أفكاره الموسومة بعالم المثل حيث الحقيقة الأزلية و الراحة الأبدية بعيدا عن ضوضاء العالم المادي ، فعالم المثل هو عالم المثالية ترتقي اليه الروح العاقلة المستنيرة . ثم جاء الفيلسوف المتصوف هنري برغسون لينبه الى استغفال الإنسان المعاصر للأبعاد الروحانية للإنسانية جراء تعالقه بالصيغ المادية المقيدة بالرمزيات المسطحة التي تحجب البصيرة عن الحقيقة الروحانية .إن الإنسان المعاصر إذا استقرأ خبايا جوانيته و أناه القابعة في باطن نفسه ، يستكنه قيم روحانية و يتبصر بحصافة شخصيته الحقيقية التي تمتاز بالحرية و التجدد و الخلق و الديمومة .و هي المنبع الرقراق و الصافي لقيمنا الروحانية التي تشفي غليلنا القيمي الحياتي . أما بالنسبة للفيلسوف الألماني فيخته فقد اعتبر الكون مكون من وحدات و اتفق في ذلك مع اسبينزا لكنها روحية وليست مادية .
و للإشارة ، فمعظم الأفكار الدينية الرائجة في الأديان الراقية و المتأخرة تدور كلها في فلك الروحية ، و مرد ذلك أن هذه الأديان انطلقت من مبدأ الأخرويات أي وجود حياة بعد بعد الموت ، و احتل الموت حيزا كبيرا في أي دين ، و بالتالي نالت الروح تقديسا و إجلال ، باعتبارها العنصر الذي يحافظ على حيوية الجسد ، و بدون هذا العنصر ، يذبل الجسد و يندمل و يتعفن ، و هنا نستنتج دور الروح في بث السمو و النقاء للجسد .

✔الاتجاه المادي:

على العكس تماما من الاتجاه الأول فقد هاجم الفلاسفة الماديين الروح معتبرين إياها عنصرا ميتافيزيقيا لا وجود لها إلا في اعتقادات العامة و أن الوعي و العقل و الشعور و الادراك كلها تفاعلات كيماوية فيسيولوجية . و في هذا السياق صرح الفيلسوف اليوناني أبيقور أنه لا يوجد إلا عالم واحد، عالم المادة . و أنكر مسألة العالم الآخر مؤكدا أن الانسان بعد الموت يفنى و يتجه نحو العدم . و بالتالي فلا وجود للروح في القاموس الأبيقوري . و في القرون الوسطى برز توماس هوبز في قلب انجلترا داعما لأبيقور موضحا أن الكون كله مادي ناكرا وجود الروح والله بصورة مطلقة . و اتفق معه مواطنه الانجليزي الآخر ديفيد هيوم إلا أن هذا الأخير زاد الطين بلة و أثار الجدل حيث نكر وجود الله و المادة معا . لنعرج قليلا من انجلترا نزولا الى ألمانيا ، عرين الفلسفة الماديةالتي قادها الفيلسوف الملحد الألماني فيورباخ الذي رأى أن الناس يبدأون برؤية الأمور كما تبدو لهم فقط، وليس كما هي في حقيقتها. بالرؤية لا تكون الأمور هي نفسها، بل فقط الفكرة التي يحوزها الناس عنها، ويبدأون بإسقاط جوهرهم الخاص عليها، من دون تمييز الشيء عن صورته . بمعنى آخر كما يفكر الإنسان، كما يكون فهمه للأشياء، كذلك يكون إلهه، وبقدر ما يمتلك من جدارة كإنسان، بقدر ما يمتلك إلهه من جدارة وليس أكثر. وعي الإله هو الوعي الذاتي للإنسان، معرفة الإله هي المعرفة الذاتية للإنسان ، ومنه ذهب فيورباخ الى أن حقيقة الواقع المادي هو الذي يفرض المادية على الفكر و فكر الانسان لا يمنح الواقع حقيقته المادية بل مادية الواقع و الطبيعة و الانسان تجعل من الفكر منهجا فكريا في موجودات و ظواهر العالم الخارجي ، و بالتالي فالروح عند فيورباخ متجذرة في تصورنا و هذا لا يعني أنها حقيقة . أما الفيلسوف الفرنسي الألماني الأصل دي هولباخ قاربت أفكاره أفكار فيورباخ فهو بدوره طرح فلسفته المادية الملحدة، فتبنى مقولة أن الإنسان جزء من الطبيعة وخاضع لقوانينها، ولا وجود لما يسمى بالروح. وأن الأخلاق والأفكار مصدرها الأحاسيس، وأن الطبيعة مادة وحركة، والعالم المادي من صنع نفسه، والتغير في الأشياء تغير في الجزئيات المكونة لها، فأنكر وجود المصادفة وعرفها بأنها ظاهرة، لكن أسبابها غير معروفة. فكل شيء ضروري ومنظم ومحتوم. والكون سلسلة من الأسباب والنتائج، وهدف الإنسان بلوغ السعادة، التي لا تقوم إلا بالتعاون مع الآخرين لخير المجتمع والفرد. وبهذا دافع هولباخ عن الحتمية كاسبينزا . لكونه فيلسوفا ماديا ملحدا، فقد توثقت صداقته مع الفلاسفة الماديين الفرنسيين خاصة: ديدرو، هيلفيتيوس، دالمبير.. وغيرهم، كما كان صديقا لجان جاك روسو الذي لم يوافقه في إلحاده .
و لقد تحولت الفلسفة الروحية الى علم النفس و تحولت الفلسفة المادية الى الفيزياء و ظهرت نظريات جديدة في كلا المجالين و للأسف تجردت و تبرأت من الفكر الفلسفي الذي ولدت أصلا من أحشاءه .

عن الكاتب

ابراهيم ماين

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

يقظة الفكر