قلقنا لا يأتي من التفكير بالمستقبل ، و لكن من رغبتنا في السيطرة عليه
خليل جبران
هذا الاقتباس من الشاعر خليل جبران في القرن العشرين يجسد كلا من الفكرة المركزية و بعض القضايا الأساسية التي أثيرت فيما أصبح يشار إليه باسم " نظرية مجتمع المخاطرة " ، و كان من المفترض أن ترخي هذه النظرية بظلالها على السوسيولوجيا الحديثة .
تتمحور هذه النظرية حول فكرة أساسية صاغها لأول مرة السوسيولوجي الألماني " أولريش بيك " سنة 1986 م في كتابه " مجتمع المخاطر العالمي " ، مفادها أن مجتمعات ما بعد الحداثة تتجه نحو فكرة المخاطرة ، و عرفها بأنها : فكرة منهجية للتعامل مع المخاطر و انعدام الأمن الذي يجلب و يؤسس الحداثة نفسها ( بيك ، 1992) ، و أن تقنيات إدارة المخاطر تخترق معظم مجالات الأنشطة الإجتماعية و السياسية الحالية .
و بالتالي فإن فكرة التحكم في المستقبل متأصلة في مفهوم المخاطرة ، نتيجة لهذه المحاولة غير المجدية بالضرورة للسيطرة على أولئك الذين ليسوا تحت السيطرة ، هذا ما يفضي بنا للتسليم بأن القلق بشأن المستقبل كان الدافع وراء مشاعر متعددة طبعت عصرنا بالعلم و التكنولوجيا .
هذا يؤدي الى واحدة من القضايا الأساسية في خضم مجتمع المخاطر ، توضح الأهمية التي تعلق على التوتر و أن جوهر نظرية المخاطر هو علاقتنا بالعالم ، أحد الأسئلة التي تطرح هنا هو : ما إذا كانت نظرية مجتمع المخاطر تدور حولنا في المقام الأول ، أم عن حالة العالم كحقيقة ذاتية ، هل تصف تغييرا واقعيا في طبيعة التهديدات أم مجرد تغيير في تصورنا لها ؟
و فقا لأولريش بيك ، فإن المجتمع المعولم نفسه يخلق الأخطار التي تهدده : الأسلحة الننوية ، محطات الطاقة النووية ، التلوث البيئي ، الطرق السريعة ، عدم المساواة الإجتماعية ( التراتبية الطبقية ) ، الأزمات المالية و الاقتصادية ، الحروب ، الأوبئة ، الأمراض ...
و مع ذلك فإن المخاطر لا تقود بالضرورة الى الكوارث ، بل تعني التنبؤ في الوقت المناسب بكارثة مستقبلية ، مما يتيح إمكانية التصدي لها أو على الأقل التقليص من حدة أضرارها .
الوقاية ، بالطبع لا يمكن أن تكون نهاية ، هذا لأن المجتمع المعولم يعاني من أربعة أوجه قصور منهجية تساهم في إعادة إنتاج المخاطر : النمو الزائد و الجهل بالمخاطر و عدم القدرة على مجابهتها ، و التعويض غير الكافي للضرر الناجم عنها .
كانت بيعة المخاطر هذه هي التي دفعت أولريش بيك إلى البحث عن مفاهيم أكثر دقة للتعامل معها ، من خلال ثلاثة أمثلة نموذجية : الفردية العالمية و التحول .
المصدر المعتمد :
⇦مجتمع المخاطر العالمي -أولريش بيك
إذا كان لديك أي استفسار أو تدخل أو إشكال حول الموضوع المعرض ، المرجو طرحه في التعاليق .