يقظة الفكر يقظة الفكر
");

آخر الأخبار

");
random
جاري التحميل ...

إذا كان لديك أي استفسار أو تدخل أو إشكال حول الموضوع المعرض ، المرجو طرحه في التعاليق .

طاليس و ولادة الفلسفة : الماء هو الأصل

 

في البداية كان كل شيء ماء: طاليس وولادة الفلسفة


طاليس(634 _ 547 ق.م)
إن أول ما قد يتبادر الى الذهن عند كل سؤال لأول فيلسوف في التاريخ هو سقراط ، قد يكون هذا الجواب صحيحا و خاطئا في نفس الآن ، لكن الأكيد أن الفلسفة بمبادئها الأساسية قد تم مزاولتها في العصور السابقة لعصر سقراط ، حتى أصبحنا نتحدث عن فلسفة ما قبل سقراط ، و كانت تلك مرحلة مهمة في إيقاظ العقل البشري و بالتالي تبرق الفلسفة ، و ذلك لأنها شهدت نقلة نوعية في الفكر البشري ، حيث كان الناس يفهمون القضايا بشكل أسطوري ، و لكن مع الشعراء الكوسموجونيون انسلخوا عن الأسطورة و أخذوا بآلية التفكير الخالص ، و الذي انصب بشكل أساسي في القضايا الكوسمولوجية ، أي محاولة فهم الطبيعة و السعي وراء إيجاد تفسير لبداية الكون ، و كذلك قضية التغيير و التباث المميزة له . 

عن طاليس :
عاش طاليس في الفترة ما بين القرنين السابع و السادس قبل الميلاد ، و كان على قدر كبير من المهارة و الموهبة ، و جمع بين السياسة و الهندسة و التقنيات و التجارة و الرحالة ،و قبل كل هذا كان عالما و مفكرا أسطوريا ، بمعرفته و حنكته في قياس طول الأهرامات ، و المسافات التي تفصل السفن من البحر ، و قدرته الكبيرة على التنبؤ بالظواهر... إضافة الى أن طاليس يعتبر من الحكماء السبعة عند الإغريق وهذا دال على فطانته و رجاحته في السياسة . كما أنه مؤسس المدرسة الأيونية و التي تضم أحد أهم تلامذته : أنكسماندر و أنكسيمنيس .

الحكماء السبعة عند الإغريق : من بينهم طاليس


 من المرجح في الأوساط المهتمة بهذا الشأن أن طاليس استقى معارفه الواسعة من رحلاته خصوصا الى مصر ، و كذلك من اطلاعه على فلكيات البابليين . و بالرغم من كل هذا لا نجد بدا من الاعتراف بضئالة المعلومات التي وصلتنا عن طاليس من الأجيال اللاحقة التي كتبت عنه ، و إن وجدت ، فإنها تظل غير مؤكدة  .

كل شيء واحد :
الآلهة الإغريقية
إن بداية التفكير الكوسمولوجي عند طاليس هو بالضرورة بداية الفلسفة ، و هذه البداية هي بداية كل العلوم الطبيعية بما فيها الفزياء التي استفادت من الفسلفة بشكل كبير عبر خاصية التراكمية . لقد استرعى تكوين العالم اهتمام طاليس ، و لم يسأل عن من صنع العالم ، و إنما كيف كانت بداية العالم ، و هذه كانت أول قضية واجهتها الفسلفة عن منأى التفسيرات الأسطورية و التي هيمنة على العقل الإغريقي لقرون بإرجاعه بداية الكون الى الآلهة و المستمدة من حكايات و أساطير في أشعار هيزيودو هوميروس . و لم يكن في هذا شيئا غريبا ، باعتبار أن التطور الفكري التاريخي مازال في طور النضور و لم يكتمل ، و لن يكتمل . لكن الأهم هنا هو أن البداية الأولى للفلسفة كانت عبر إرجاع أصل كل الأشياء إلى عنصر واحد ، أي إرجاع المتعدد الى الواحد ، و هذا ما جعل طاليس أول فيلسوف يوناني .

الماء هو أصل كل شيء:
   اشتهر طاليس بادعائه أن أصل كل الأشياء يرجع الى الماء ، حيث كل شيء نشأ من الماء و يرجع في النهاية الى الماء ،  و رأى طاليس الماء يخرج من الأرض ، من النباتات الحية  والحيوانات والبشر ، يصعد إلى السماء على شكل بخار وينزل مرة أخرى على شكل مطر. و استنتاجه أن كل شيء هو في الأساس ماء بأشكال مختلفة لا أساس له من الصحة. ما يهم حقا في فكر طاليس ، كما في العديد من الفلاسفة الآخرين ، ليس الإجابة التي قدمها ولكن السؤال الذي طرحه والطريقة التي حاول بها الإجابة عليه .


تنويه هام :
قد يقول البعض أن طاليس لم يأت بجديد ، إذ ظهرت قبله مفاهيم شبيهة لها علاقة بالآلهة ، و بالتالي فإن ما توصل إليه لا يتبرأ من التفكير الأسطوري ، و هنا يمكن أن نستعين بأريسطو حيث قال : " يعتقد البعض بأن البشر القدامى الذين عاشوا قبل جيلنا الراهن ، كانوا ينظرون الى الطبيعة من نفس هذه الزاوية ، فقد كانوا يعتقدون أن أقينوس و تتيدا كانا أبوين لكل شيء في العالم ، و لكن هناك فرق أساسي فقد تحدث طاليس عن الماء بينما تحدث سابقوه عن آلهة الماء ، فهو تحدث عن موضوع واقعي بينما تحدث سابقوه عن شخصيات خيالية ، فالحديث عن تتيدا و أقينوس لم يكن علميا و إنما أسطوريا " .  بصدد هذا القول نطرح سؤالا : لماذا اعتقد طاليس بأن الماء و ليس أي نوع آخر من المادة أو العناصر هو بداية الكون ؟ قد يكون هناك حيز صغير تدخل فيه طاليس في الأسطورة ، لكنه هو نفسه لم يلقي نظريته هذه حول الماء دون تدعيمها ببراهين و تفسيرات شافية اعتمد من خلالها على الملاحظة ، مثل : أن كل شيء رطب يعيش ، و كل شيء جاف يموت ، و استنتج بالتالي أن الماء هو الذي يعطي الحياة و بأنه يحتوي على الخواص الضرورية لتطوير الطبيعة كلها. و منه فإن العلم يتطلب القيام بانقلاب في طريقة التفكير ، كان يجب الإنسلاخ من الاحتياجات العملية و من أسلوب التفكير الأسطوري ، و هذا الانقلاب قام به الفلاسفة الأيونيون ، أنكسماندر و أنكسمنيس و على رأسهم معلمهم طاليس .

أهمية طاليس :
 كان الشيء الأساسي الذي قدمه طاليس هو وضعه للسؤال ، و الذي هو أهم بكثير من الإجابة التي قدمها ، و لهذا ليس من الضروري أن يكون أول فيلسوف في العالم عبقريا  ، يكفي أنه استمد مهارته من مهارات الشعب الأخرى ، و لم يتطلب تحويل المهارة إلى فلسفة عقلا جبارا لأن العقل البشري كان جاهزا لاستقبال الفلسفة بحيث أن الأمر لم يتطلب قفزة كبرى ، إذ كانت تكفي مجرد الخطوة الصغيرة الواثقة .
يتحدث فريديريك نيتشه عن أهمية طاليس قائلا :" يبدو أن الفلسفة اليونانية تبدأ بفكرة غريبة، وهي أن الماء أصل كل الأشياء. هل من الضروري حقا أن نتوقف عند هذه الفكرة، وأن نأخذها على محمل الجد؟ نعم؛ وذلك لثلاثة أسباب : أولا، لأن هذه المسلمة تتناول بطريقة ما أصل كل الأشياء، والسبب الثاني ، لأنها تتناوله بدون صور وبمعزل عن السرد الخيالي، وأخيرا، السبب الثالث، لأن هذه العبارة تتضمن، ولو بشكل أولي، فكرة أن الكل واحد . فحسب السبب الأول مازال طالیس ينتمي إلى طائفة المفكرين الدينيين والخرافيين، ولكنه يخرج عن هذه الطائفة للسبب الثاني، ويظهر لنا كواحد من علماء الطبيعة . أما السبب الثالث فيجعل منه أول فيلسوف يوناني".

أقوال طاليس :
⧭الذي يفكر هو الذي يعيش .
⧭أن ممتن لأني ولدت إنسان و ليس حيوان ، و لأني رجل و ليس امرأة ، و لأني يوناني و ليس بربري .
⧭لا يوجد شيء أكثر فاعلية من الفكر ، لأنه يسافر عبر الزمن .

عن الكاتب

ابراهيم ماين

التعليقات


جميع الحقوق محفوظة

يقظة الفكر