الفلسفة الأمازيغية و أبرز فلاسفتها

 

مقدمة توضيحية :

إن الأمازيغ هو اسم رنان لكيان عظيم قبع في شمال إفريقيا ، ارتبط بحضارة غنية بالدوال المادية و اللغوية و السيميائية و الفكرية ، تحتاج لمن يفككها استقراءا و استقصاءا و اكتشافا ، و يركبها بناءا و فهما و تفسيرا و تأويلا ، ذلك أن كثير من الناس ومنهم من تعود أصوله للأمازيغ يجهلون هذه الحضارة جملة و تفصيلا ، و يحكمون عليها عن عمى و جهل و تقصير ، في حين ، ساهمت الحضارة الأمازيغية في إثراء الحضارة الإنسانية بالشيء الكثير ، و سأتوقف عند عند الإسهامات الفلسفية و الفكرية مع أبرز فلاسفة الأمازيغ تأثيرا و وهجا في الساحة الفكرية .

( جذير بالدكر أن الرومان استوطنوا مناطق في شمال إفريقيا و خصوصا ليبيا ، لذلك ستلاحظ أن أسماء بعض الفلاسفة لا علاقة لهم بالأسماء الأصيلة للأمازيغ ) .

أفولاي ( لويكيوس أبوليوس) 125م:

تعد رواية "الحمار الذهبي" لأفولاي أول نص روائي في تاريخ الإنسانية على الإطلاق( و هي أقدم حسب الدراسات على رواية دونكيشوت لسرفانتيس ) ، و تدور أحداثها حول شخصيتين هما لوسيان و لوكيسيوس ، و تحمل معاني عميقة من خلال استعراضها لعملية مسخ الإنسان الى حيوان . و قد تابع أفولاي دراسته في أثينا و أعجب بالفلسفة السوفسطائية و الأفلاطونية الحديثة التي أسسها أفلوطين ،و اعتنق كل الفلسفات الصوفية و الروحانية و التي تضمن للمؤمنين حياة أبدية سعيدة و له كتاب حول إله سقراط . و إبان الامتداد المسيحي تمسك أفولاي يثقافته و هويته الأمازيغية ، إذ كان يقول : لم يتملكني في يوم من الأيام أي نوع من الشعور بالخجل من هويتي و من وطني ، و يقول بكل اعتزاز و افتخار : أنا نصف كدالي ، و نصف نوميدي أمازيغي .

أريتة القورينية :

هي أول فيلسوف أمازيغية في شمال إفريقيا ، و اسمها يعني معرفة الخير و الفضيلة ، و قد زادتها الفلسفة و المعرفة جمالا و بهاءا و حسنا ، و اتخدت لنفسها كمبدأ أن الشك في ميدان المعرفة ، و اللذة في ميدان الأخلاق ، حيث كانت تنتسب الى المدرسة القورنائية في اليونان و كانت ابنة مؤسس هذه المدرسة و هو أريستبوس تلميذ سقراط ، و تبنت هذه المدرسة فكرة أن هدف الحياة هو البحث عن اللذة . كانت أريتة معلمة للفلسفة الأخلاقية في الجامعات اليونانية القديمة لمدة تزيد 45 سنة ، و تخرج على يدها 110 فيلسوف ، و نقش على قبرها كلمات تقول : إنها كانت تجسد عظمة اليونان ، و تمتلك جمال هيلين ، و فضائل ثريما ، و روح سقراط ، و لسان هوميروس " .

أرستيبوس القوريني 355 /435 ق . م :

هو فيلسوف من ليبيا تتلمذ على يد سقراط و تأثر به ، و أنتج نظرية ذاتوية في المعرفة ترتبط ارتباطا وثيقا بمذهب اللذة ، باعتباره أيضا ينتمي الى التيار القورنائي أو الهيدوني ، و أنكر أن تكن أحاسيسنا هي التي تعلمنا ماهية الأشياء الحقيقية . و دعا الى السعي وراء إحراز المتعة العقلية كأكبر النعم . و كانت له عشيقة تدعى "لايس" ، ينفق عليها الكثير من المال و يهبها الهدايا حتى قال : " إنني أملك لايس و ليست هي من تملكني " ، كإشارة منه الى ضرورة ضبط اللذة و الحكم فيها بدل الخنوع الخضوع لها . يعني يجب أن يكون العقل منيرا لطريق اللذة .

القديس أوغسطين 354 م :

هو فيلسوف أمازيغي لاهوتي و قديس ينحدر من أصل جزائري و ابن القديسة الأمازيغية مونيكا ، و هو أبرز الشخصيات المؤثرة في الديانة المسيحية ، و لاقى احتراما كبيرا من المذاهب المسيحية من الكاثوليكية الأنجليكانية و البروتيستانتية الكالفينية ، و له كتاب شهير موسوم ب"الاعترافات" و يعتبر أول سيرة ذاتية في العالم ، و من هنا أخدت أفكاره اتجاهين : اتجاه ديني كقديس للمسحية و اتجاه فلسفي كفيلسوف متأثر بأفلاطون ، و بالتالي كان تكوينه عبارة عن صراع بين الفيلسوف و نصير حرية الثقافة الذهنية ، و المسيحي الخاضع للكنيسة ، و لهذا لا نجد في كتاباته نظاما موحدا ، كان في البداية مانويا ( الديانة المانوية) ثم انضم للشكاك ، ثم رجع الى الفلسفة العقائدية بروح أفلاطونية ، ثم الى الوثنية باعتبار أبيه وثنيا . و هنا سأجري القليل من التعديل على أفكاره و أقول أنها تحولت من الفلسفة الذاتية الى العقائد الأرثودكسة ، و من الموقف الطبيعي الى ما فوق الطبيعي ، و من الايمان الى الاتحاد مع الذات الإلهية (3) .

ملاحظات :

لاحظت ، و من خلال بحث متواضع في الفلسفة الأمازيغية ، أنها فلسفة تحمل نزوعا إلى الأخلاق بالدرجة الأولى ، و يفسر ذلك انتماء أكثرية الفلاسفة الأمازيغ الى المدرسة القورنائية ، لكن لماذا الأخلاق ؟ لماذا لم يحاول الأمازيغ صقل حديد الأسلحة بدل صقل الأخلاق ؟ باعتبار أن معظم الحضارات الإنسانية و التجمعات تستعد لأي خطر داهم عبر التحصن و التدجج بالأسلحة و تكوين الجيوش . هل يمكن أن نفسر تخلق الأمازيغ بعوامل مناخية مثلا مرتبطة بالمطر و الأرض و الخصوبة ؟.

:المراجع

كتاب :"فلسفة القرون الوسطى" لكاتبه "فوادسواف تاتاركيفتش"